لوددت أن أكون أمريكيًّا

لوددت أن أكون أمريكيًّا

الأيام أثبتت أن المقولة التى كان يرددها مصطفى كامل الزعيم (وليس المطرب) منذ أكثر من مائة سنة فى أغلب خطاباته وكتاباته: «لو لم أكن مصرياً لوددت أن أكون مصرياً»، لم تعد لها قيمة، وأصبحت مجرد، كما يقول الشوام: «طق حنك»، وكما يقول الشباب: «هرتلة»، وأظن أن هذه المقولة أيام مصطفى كامل كانت مجرد جملة إنشائية للحماسة فقط. لوددت أن أكون أمريكيًّا

نحسبها بالورقة والقلم: ما هو المقابل الذى يجعلك تتمنى أن تكون مصريا؟، ما المميزات التى يتحلى بها المصرى عن نظيره الإماراتي، الكويتي، السعودي، العماني، الجزائري، التونسي، السوداني، الصومالي..؟، هل الأنظمة المصرية منحت المصرى حقوقا وامتيازات تفوق نظيره الفرنسى أو الإيطالى أو الأمريكي، أو الصينى أو البريطانى أو الياباني؟.

المصرى طوال تاريخه، كما يقول العامة، بيكح تراب، لا تعليم ولا صحة، ولا مرافق، ولا حقوق، ولا كرامة، مرتبه لا يكفيه مدة أسبوعين، ومعاشه عندما يتقاعد بعد تسديد فواتيره يكفيه مدة يوم واحد، يختفى قسريا إذا عارض النظام الحاكم، ويحبس مدة ثلاث سنوات احتياطيا على ذمة التحقيقات، وتزيف إرادته فى صناديق الاقتراع، وعندما يلجأ للمحاكم للحصول على حق له ينفق جميع مدخراته، ويلقى ربًا كريمًا قبل أن يفصل القضاء فى مظلمته.

أيام مصطفى كامل كان معظم الشعب المصرى يعانى الأمية، والبلهارسيا، والتيفود، والذل، والقهر تحت وطأة الباشاوات والاحتلال البريطاني، يعيش بلا كهرباء، ولا مياه نظيفة، ولا مرافق، يعمل طوال النهار فى أرض الخديو أو الباشا، ويأكل «صدغ لفت» أو قطعة جبنة قديمة هو وأولاده، عندما يمرض يموت، ويشرب من الترعة، ويمشى حافى القدمين، فى الشتاء يغرق بيته ويقرفص هو والعيال بجوار الفرن تحت حِرام مقطع، وفى أيام مصطفى كامل كان عدد المتعلمين لا يتجاوز الألف مواطن، مجموعة من الأفندية والمشايخ (خريجى الأزهر)، بعضهم كان يلعب مع السرايا.

الفرق بين مصر أيام مصطفى كامل، ومصر اليوم ليس كبيرا، زاد عدد المتعلمين، ودخلت المرافق المدن، والاستبالية أصبح اسمها مستشفى، والركوبة أصبحت أتوبيس وسيارة وقطارًا وطائرة بعد أن كانت الحمار والحصان، لكن نسبة الفقر كما هى، وأيضاً الظلم، والقهر، والفساد.

أظن والله أعلم أن الأخ الزعيم مصطفى كامل لو كان يعيش بيننا اليوم لأدخل تعديلات جوهرية على مقولته، وكان سيقف على أى منصة أو يظهر فى برنامج توك شو، ويقول: لوددت أن أكون أمريكيًّا أو فرنسيًّا أو بريطانيًّا، أو ألمانيًّا، وأعتقد أنه رحمة الله عليه كان سيكون فخورا لو حصل على جنسية جنوب إفريقيا.

بالأصالة عن نفسي، وبعيدا عن الأخ المرحوم مصطفى كامل، طيب الله ثراه، أتمنى أن أكون أمريكيًّا، فى لحظة يطالب رئيسى (ترامب) بالإفراج عنى، ويرسل لى طائرة خاصة تحملنى من مصر إلى البيت الأبيض مباشرة، وأعتقد أننى لن أتمكن من تحقيق هذه الأمنية مثلما فشلت من قبل فى تحقيق بعض أمنياتي، زمان وأنا صغير كان نفسى يكون اسمى تامر، نعم، وددت أن أكون تامر، ولما أصبحت فى سن المراهقة كان نفسى قوى أكون أحمد اللى منى بتنادى عليه فى «أذكرينى» أو «بين الأطلال»، وللأسف لم أحقق أية أمنية، الحمد لله فقد هرمنا والبركة فى الشباب، إما أن يغيروا أو يتمنوا مثلنا.

اقرأ أيضا ..